قصة عجيبة لبعض الثوار وقعت احداثها ليلة 20 .. كتيبة ثوار طرابلس .
أريد أن أروي لكم قصة عجيبة لم يسمع عنها الكثيرون و ربما تحكى على العلن لأول مرة. حادثة وقعت ليلة 20 و لولا ستر الله وحفظه لغيرت مجرى الحسم للأسوأ. بطل هذه القصة أسد المكتب الإعلامي لكتيبة ثوار طرابلس الأخ عبد الحكيم المشرى (من بني وليد).
أعلم أنه أكثر تواضعا من أن يرويها بنسفه ولذا سأرويها أنا بالوكالة فقط لكي يعلم الناس كيف كانت يد الله تدير هذه الثورة حتى آخر أيامها. دارت الحادثة كلها أمام عيني والله على ما أقوله شهيد.
ليلة 20 أغسطس 2011:بعدما نزلت كتيبتنا من نالوت إلى الزاوية وقبل حتى أن يستقر الثوار في مقرهم الجديد، قررت طرابلس أن تنتفض. بدأت تأتينا الإحداثيات من غرف عمليات الثوار داخل المدينة وبدأنا نسمع بالانتصارات المتلاحقة و نحن نكبر و نهلل و كنا في حالة هيستيرية من شدة الفرح وقلة النوم. بعدها بدأت تأتينا الاستغاثات من ثوارنا وأهالينا داخل طرابلس و فوجئنا بقرار القيادة بأن نلم متاعنا ونصطف لنستلم بنادقنا (مع العلم أن موعد الحسم كان يوم 23 و في ذالك الوقت نصف أعضاء الكتيبة تقريبا لم يتسنى لهم الإلتحاق بالتدريب).
استلمنا أسلحتنا وبدأنا في تجهيز سياراتنا وعتادنا وبدأ الرتل فالتكون خارج سور الكتيبة. مع حوالي الثالثة فجراً، تممنا التجهيز وبدأ الرتل المتكون من عشرات السيارات ومئات الثوار بالتقدم نحو طرابلس. استقبلنا أهل وثوار الزاوية على جوانب الطريق بالتكبير والتهليل و فعلا زادوا من معنوياتنا التي كانت مرتفعة أصلا في تلك اللحظات. مع الساعة الرابعة تقريبا، وصل الرتل لأبعد نقطة وصل إليها ثوار المنطقة الغربية. كنت أنا و عبد الحكيم المشري في مؤخرة الرتل ثم تقدمنا إلى وسط الرتل وتوقفنا عن التقدم بعدما سمعنا إطلاق نار بدا أنه صادر عن قناص. خشيتا من نيران القناصة، قام الشباب بكسر و ازاحة اضواء الفرامل من السيارات لكي لا يسهل على العدو رؤيتنا و اصابتنا. كانت ليلة مظلمة وكنت أقود سيارة الاعلام في انعدام شبه تام للرؤية. وبينما نحن جالسون فالسيارة بإنتظار أمر الهجوم، بدأت أرى شعاعا ينبعث من احدى السيارات أمامي فانزعجت وقلت في نفسي ألم نقل لهؤلاء بأن لا يشغلوا اضواء سياراتهم؟؟.
إزداد الشعاع وبدأ يضيئ ما حوله وعندها أدركت أنه لم يكن ناجما على إنارة السيارة بل هي نيران تلتهب داخل السيارة وما حولها. بدأ يساورني القلق لأننا كنا قريبين جدا من الخط الأمامي للجبهة والعدو في ذلك الوقت لم يبعد عنا سوى حوالي كيلومتر واحد! زادت حدة النيران وكأن القلق لم يكن كافيا، إكتشفت سريعا بأن تلك السيارة لم تكن مدنية مثل غيرها بل لاند كروسر مليئة بالدخيرة! داهمني الخوف وتوقعت الأسوأ وهو إحتراق البارود داخل صناديق دخيرة ال-م-ط التي كانت داخل صالون السيارة وانفجارها الذي سينتج عنه إنفجار القذائف والصواريخ التي كانت في الصندوق الخلفي للسيارة. هنا تكمن الكارثة وهي إنفجار السيارة وإنفجار بقية السيارات وسط الرتل وفشل مدوي لعملية الحسم التي طالما حلمنا بها وانتظرناها طويلا (و نكسة للثورة بأكملها إن لم أكن مبالغا).
في هذه اللحظة و في خظم الإرتباك والفوضى ، قفز عبد الحكيم من سيارة الإعلام التي كنت أقودها وتقرب إلى السيارة الملتهبة ثم إلتفت إلي و قال "يالله يالله" فظننت أنه يقصد "إبتعد" لأن الدخيرة داخل السيارة سخنت وكانت على وشك الإنفجار. بدأت فالرجوع فصرخ علي مرة أخرى وقال "قدم قدم" فسميت بإسم الله وتقدمت موقنا بأننا لن نخرج منها سالمين. تقدمت بالسيارة ووقفت عن قرب من اللاند كروسر فقفز عبد الحكيم في سيارة الإعلام وسحب اسطوانة إطفاء ثم في مشهد بطولي، جرى نحو السيارة الملتهبة وتقدم حتى كادت النيران أن تلمس وجهه وباشر بإطفائها.
بعد أن أطفأ عبد الحكيم الحريق، تشجع بعض الشباب وباشروا بإخراج الدخيرة من السيارة و من شدة سخونتها، لم يستطيعوا لمسها بأيديهم من دون أن يستعملوا واقيا ما. الأسطوانة التي استعملها عبد الحكيم لم تكن في السيارة قبل نزولنا للزاوية وعندما سألناه عنها، قال بأ نه رآها ملقاة أمام مقر الكتيبة في نالوت وقرر أن يضعها في السيارة. لم نعرف سبب إندلاع الحريق في السيارة و هل كان بسبب سجائر أو سلك كهربائي ولكن العبرة جلية وهي لولا فضل الله وإلهامه لما وجدنا ما نطفئ به ذالك الحريق و لما وقعت بنا كارثة لا يعلم اثرها إلا الله.
عند وجودي في ليبيا أثناء الثورة، رأيت الكثير من الأخطاء والحوادث الناجمة عن الإهمال و سوء التصرف لكن هذه كانت الأكثر أثرا ورسوخا في ذاكرتي. أكاد أجزم وأقولها بكل فخر بأنه لولا فضل الله ورعايته لهذه الثورة ثم لشجعاة وإخلاص رجالنا لكانت هذه الثورة أثر بعد عين. اتمنى من من عنده قصص مماثلة أن يشاركنا بها .
بدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق