لا أعرف إسم هذا الشاب ومن أين من طرابلس بالتحديد ولكن ما أعرفه هو أنه كان في أواخر الدفعات التي دخلت الجبل وتدربت قبل النزول للزاوية. شاركت أنا و زميلي نادر فالتدريب ظمن تلك المجموعة وكان ذاك الشاب حينئذٍ حديث الإنظمام إذ لم تمر على إنظمامه سوى أيام قليلة. قبل معركة طرابلس ببضعة أيام، وجدنا أنفسنا معا في أخر دورة تدريبية وكانت تلك قصيرة جدا مقارنتا بسابقاتها وذلك بسبب ضيق الوقت وتسارع وتيرة الأحداث والمعارك الفاصلة. رأيته لأول مرة في ساحة التدريب خلف معسكرنا في نالوت ولم أتحدث معه ولكن عندما رأيته بلباسه ذاك و قبعته تلك إستخفيت به وقلت سرا "هذا شكله مش متع جبهة".
مرت أيام قليلة وإذا بنا في الزاوية ليلة 20 رمضان نجهز أنفسنا إلى ما كنا نعتقد أنها ستكون أشرس معركة حتى يومنا ذاك. قبل نزولنا من الجبل بأسابيع قليلة، كان عدد أفراد الكتيبة حوالي الـ500 شخص و في أيام قليلة، تضاعف العدد ليناهز الـ1200 ثائر. لذاك السبب، لم يكن هناك ما يكفي من البنادق أو الدخيرة لتسليح الجميع وكنا متحمسين جدا لدخول طرابلس فكان الشباب يتدافعون في الطوابير ليستلموا ما توفر من السلاح. يسر الله وجائتنا دفعة من السلاح وتم توزيعه على أغلبية الشباب ولكن كان هناك نقص حاد في الدخيرة. أمرنا بأن نجلس في طوابير طويلة حتى نستلم دخيرتنا وبعد حوالي ساعتين من الإنتظار، قيل لنا بأننا لن نستلم سوى 10 طلقات أي أقل من نصف مخزن دخيرة كلاشن! أصابنا اليأس وبدأنا نشتكي ونتساأل كيف لهم أن يرلسوا عشرات الشباب إلى الجبهة من دون دخيرة؟! إنها لمجازفة وإستهتار بأرواحنا وفعلا كثير من الشباب أبدوا عدم استعدادهم لدخول المعركة وهم في تلك الحالة.
بينما نحن نشتكي، مر هذا الشاب علينا وقال "عشرة طلقات؟ أععطوني طلقة وحدة ولما نكون أول واحد فالجبهة!". ظننت أنه مجنون لأن معظم الشباب في ذالك الوقت رغم تحمسهم الشديد، كانوا واعين بأن تلك الجبهة ليست كسابقاتها كونها معركة الحسم، وضبابية الموقف تحتم علينا توخي الحيطة وعدم الإندفاع. وفعلا عندما بدأت المعركة فجر الـ21، رأيت هذا الشاب فالخطوط الأمامية للجبهة ولا أدري هل تحصل على ما يكفي من الدخيرة أم دخل المعركة بطلقة واحدة!
بعد دخولنا طرابلس بعدة أيام، إتطررت للسفر خارج ليبيا ولكن كأي ليبي أخر، سافرت جسدا وبقيت روحا و ذهنا هناك. بينما أنا فالخارج، كنت أتابع أخبار الجبهات عن كثب وفي إحدى تغطيات الجزيرة، بث مراسلوها مشاهد حية من الخطوط الأمامية لجبهة بني وليد وكانت تلك أبعد نقطة وصلها الثوار في ذاك الوقت. أثناء تلك التغطية، إنهمر وابل من الرصاص على الثوار بذلك المكان وإذا بي أرى ذاك الشاب يمر أمام الكاميرا ويشهر علامة النصر! قلت سبحان الله، حاول الجرذ الهالك ونظامه البائد لأكثر من أربعة عقود أن يدمر الشاب اليبي وأن يشغله بالإدمان وكل أنواع المآسي حتى لا ينضج ويتحدى حكمه يوما ما. جرب كل أنواع التخويف والترهيب حتى نسي الكثيرون تاريخنا و ظنوا أن الشعب اليبي جبان ولن يثور أبدا على جلاده. لكن سبحان الله عندما سلت السيوف وإشتعلت الجبهات، فزع شبابنا فزعة فاجأت وأرعبت الطاغية وابهرت العالم بأسره. فتحية خاصة مني إلى هذا الشاب وكل شبابنا الأحرار ونسأل الله أن يوفقنا في المعركة القادمة وهي معركة البناء والتطوير.
ع.ت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق